Mediation between siblings

الوساطة بين الإخوة بمنهج "الشراكة الجديدة" | نيشري للوساطة – نداف نيشري
نداف نيشري – خبير وساطة بين الإخوة

الوساطة بين الإخوة: كيف نُصلح النزاع العائلي دون تفكيك العائلة

النزاع بين الإخوة يُعد واحداً من أعمق الأزمات العاطفية وأكثرها إيلاماً داخل الأسرة. فهو ليس “خلافاً عادياً”، بل شرخ في أكثر الأماكن جوهرية في حياتنا — المنزل الذي نشأنا فيه. عندما يتوقف الإخوة عن الحديث، أو يمتنعون عن حضور المناسبات العائلية، أو يخوضون حرباً حول الميراث أو إدارة العمل العائلي أو رعاية الوالدين، تدخل الأسرة كلها في دوامة من التوتر. الوالدان يتمزقان، الأزواج يُسحبون إلى داخل النزاع، وأبناء الجيل القادم يتعلمون أن العائلة قد تكون أيضاً مصدراً للألم.

الوساطة بين الإخوة بمنهج الشراكة الجديدة تهدف إلى إيقاف هذا الانحدار. ليست غايتها تحديد “من على حق”، ولا البحث عن “من بدأ النزاع”، بل بناء عملية عاطفية وعملية مُنظمة تساعد الإخوة على الحديث بطريقة مختلفة، وفهم جذور الخلاف، وبناء اتفاقات طويلة الأمد تخدم الجميع. في منهج الشراكة الجديدة، نقطة البداية ليست الخلاف نفسه، بل السؤال: إلى أين يريد الإخوة الوصول مستقبلاً؟ كيف يتصورون شكل العلاقة بينهم بعد خمس أو عشر سنوات؟ وما نوع العائلة التي يرغبون في أن تكون لهم؟

لماذا تُعد النزاعات بين الإخوة شديدة الانفجار؟

الخلافات بين الإخوة نادراً ما تبدأ من الموضوع الظاهر على الطاولة. ما يبدو خلافاً حول الميراث أو العقارات أو الأسهم أو رعاية الوالدين، غالباً ما تغذّيه رواسب عاطفية أعمق بكثير. شعور بالغبن منذ الطفولة، إحساس بأن أحد الإخوة كان مُفضلاً، أو أن آخر لم يُرَ أو يُسمع لسنوات — كل هذا يخلق طبقة عاطفية سميكة تُرافق الإخوة طوال حياتهم.

تتجذر أيضاً أدوار عائلية ثابتة: “الأخ المسؤول”، “الأخت المشكلة”، “الناجح”، “الفاشل”. هذه التصنيفات تلازم الإخوة لعقود وتؤثر في طريقة رؤيتهم لأنفسهم ولغيرهم. وعندما تضاف إلى ذلك ذكريات جارحة، ووعود لم تُنفذ، ومقارنات بشأن النجاح المهني أو القرب من الوالدين — تتصاعد التوترات بسرعة. المال يصبح رمزاً للعدالة والاعتراف والحب. لذلك يكون النزاع حول “النسبة بالميراث” في الجوهر نزاعاً حول المكانة والانتماء والقيمة.

وبهذا المعنى، لا يكون النزاع بين الإخوة مادياً فحسب؛ بل نزاعاً حول الهوية والتاريخ العائلي والحاجة العميقة لأن يشعر كل فرد بأنه مرئي ومحترم ومُعترف به.

لماذا المحاكم نادراً ما تُصلح النزاعات بين الإخوة؟

المحاكم تحسم النزاعات. تستطيع تحديد من يملك ماذا، ومن يرث ماذا، وكيف تُفسَّر القوانين. لكنها لا تستطيع شفاء العلاقات العائلية. لا تستطيع إعادة بناء الثقة، ولا إعادة التواصل، ولا خلق شعور بالعدالة العاطفية حتى لو تحققت العدالة القانونية.

قد يُقسّم الحكم القضائي الممتلكات، لكنه لا يستطيع ضمان أن يقف الإخوة معاً في مناسبة عائلية مستقبلية دون توتر أو غضب أو عداء صامت. بل قد يزيد الحكم الشرخ عندما يخرج طرف منتصراً وآخر منكسراً.

لذلك بدأت الكثير من العائلات تفهم أن السؤال الحقيقي ليس “كيف نقسّم”، بل “كيف نخرج من هذه الأزمة بأقل قدر من الضرر العائلي”. وهنا تأتي الوساطة — وخاصة وساطة الشراكة الجديدة — التي تُوازن بين الحاجة للوضوح القانوني والحاجة للشفاء العاطفي وبناء مستقبل مشترك.

ما الذي يميز الوساطة بين الإخوة بمنهج الشراكة الجديدة؟

الوساطة بين الإخوة عملية حساسة جداً، تتطلب فهماً قانونياً واقتصادياً — كقانون الميراث، الملكية، الاتفاقات، وإدارة الأعمال العائلية — إلى جانب فهم عميق للديناميكيات العائلية، والأدوار المتجذرة، والتحالفات، والآلام القديمة. كما تتطلب قدرة على احتواء مشاعر صعبة دون فقدان الاتجاه.

في منهج الشراكة الجديدة، تبدأ العملية بسؤال مختلف تماماً: “ما هو المستقبل الذي تريدونه لعائلتكم؟”. يُطلب من الإخوة وصف الصورة الكبرى: هل يرغبون في إعادة بناء العلاقة؟ هل الهدف هو حل النزاع باحترام؟ هل يريدون حماية العلاقة بين أبناء الجيل القادم؟ وهل هناك قيم عائلية يرغبون في الحفاظ عليها رغم الألم؟

بعد توضيح رؤية المستقبل، يبدأ الإخوة بالنزول تدريجياً إلى التفاصيل: ما هي القضايا المطروحة؟ ما هي المشاعر الكامنة؟ وما هي الآليات العملية اللازمة لضمان استمرار الاتفاقات؟ بهذه الطريقة لا يختفي النزاع، لكنه يصبح جزءاً من قصة عائلية أوسع يجري إعادة بنائها بوعي.

كيف تبدو عملية الوساطة فعلياً؟

تُبنى الوساطة بين الإخوة بمنهج الشراكة الجديدة بطريقة تجمع بين العمق العاطفي والبنية الواضحة. تبدأ بلقاء تمهيدي يُعرض فيه منظور كل طرف واحتياجاته والقضايا التي يراها أساسية. الهدف في البداية هو التمييز بين الأشخاص والقضايا، وفهم من هو المعني، وما هي القرارات المطلوبة، وما هي الجروح العاطفية المؤثرة في الحوار.

بعد ذلك، وبحسب طبيعة العائلة، تُعقد لقاءات مشتركة إلى جانب محادثات فردية. في اللقاءات المشتركة تُبنى لغة جديدة للحوار، تُستبدل فيها الاتهامات بوصف الاحتياجات، والمواقف المتصلبة بفهم دوافعها. أما المحادثات الفردية (caucus) فتُتيح لكل طرف الحديث بحرية كاملة عن مخاوفه وآلامه وشكوكه دون خوف من استخدامها ضده.

أحد المراحل المركزية في الشراكة الجديدة هو الانتقال من الماضي إلى المستقبل. بعد إعطاء مساحة للمشاعر المؤلمة والإحباط، يتحول التركيز إلى ما يريده الإخوة مستقبلاً: كيف يتصورون العائلة بعد سنوات؟ هل يرغبون في مشاركة المناسبات؟ هل يريدون علاقة إنسانية أساسية؟ وما هو النموذج الذي يريدون نقله لأطفالهم؟

هذا التركيز المستقبلي يساعد الإخوة على إعادة قراءة الماضي بمنظور أوسع. بدلاً من “من المخطئ”، يصبح السؤال “ما الذي يمكننا فعله اليوم حتى يختلف غدنا؟”. هذا التحول يُقلل الحاجة إلى الفوز، ويفتح المجال لإيجاد حلول خلاقة.

من هنا تبدأ صياغة الاتفاقات العملية: تقسيم الميراث، إدارة الأعمال العائلية، توزيع مسؤوليات رعاية الوالدين، معالجة القروض والهبات القديمة، وبناء قواعد واضحة للتواصل مستقبلاً. تُكتب الاتفاقات بطريقة دقيقة وقابلة للتطبيق.

في النهاية يُصاغ اتفاق وساطة. يمكن تحويله إلى وثيقة ملزمة قانونياً والمصادقة عليه كحكم قضائي. وفي النزاعات ذات الطابع الدولي — مثل الأعمال العائلية العابرة للدول — يمكن استخدام اتفاقية سنغافورة لمنح الاتفاق قوة تنفيذية في الدول الموقعة عليها. إضافة إلى ذلك، يشكّل الاتفاق التزاماً أخلاقياً وعاطفياً للطريقة التي يختار الإخوة التعامل بها مع بعضهم من الآن فصاعداً.

تحديات خاصة في الوساطة بين الإخوة — وكيف يعالجها منهج الشراكة الجديدة

تُظهر الوساطة بين الإخوة غالباً تحالفات قديمة، أدواراً طفولية، وفروقات في النفوذ. قد يكون هناك أخوان متقاربان جداً بينما يشعر الثالث بالعزلة. أو شقيق يحمل وصمة “المشكلة المزمنة”، وآخر يُنظر إليه كـ “المنظم” أو “المُضحي”. إن تجاهل هذه الأنماط قد يُحوّل الوساطة إلى محكمة جديدة بدلاً من مساحة للشفاء.

في منهج الشراكة الجديدة، يضمن المُيسّر إعطاء مساحة متساوية لكل طرف حتى لو كان نفوذه أقل. تتم معالجة قضايا الولاء — للوالدين، للزوج/الزوجة، أو للسرديات العائلية القديمة — ومساعدة كل فرد على التمييز بين الولاء الطبيعي وبين القدرة على اتخاذ قرار مستقل في الحاضر. كما يتم الحفاظ على السرية الكاملة، وهو أمر بالغ الأهمية للعائلات التي تخشى على سمعتها أو مكانتها الاجتماعية.

الفوارق الاقتصادية قد تخلق شعوراً بالذنب أو الغيرة أو الظلم. أحد الإخوة قد يكون ناجحاً جداً، فيما ضحى آخر لتعهد برعاية الوالدين. تساعد الوساطة على فصل المقارنات العاطفية عن العدالة العملية، وصياغة اتفاقات تعكس الواقع الحالي وتسعى لإحساس أساسي بالإنصاف.

الهدف الحقيقي: ليس دائماً المصالحة الكاملة — بل دائماً ضرر أقل

لا تنتهي كل وساطة بين الإخوة بمصالحة كاملة. أحياناً تكون الجراح عميقة، أو تكون الرؤى مختلفة جداً، أو يختار بعض الإخوة عدم العودة إلى علاقة وثيقة. وهذا خيار مشروع.

لكن حتى في هذه الحالات، يمكن للوساطة أن تُحقق نتائج مهمة: إنهاء منظم وعادل لخلاف مالي، تقليل العداء، منع معارك قضائية طويلة، وخلق بيئة محايدة تسمح باللقاء في المناسبات العائلية دون تفجير الموقف. يشعر الكثيرون بالارتياح لمجرد أنهم تعاملوا مع النزاع بطريقة ناضجة ومحترمة.

في العديد من الحالات، تقود الوساطة إلى تقارب حقيقي: ليس بالضرورة إلى صداقة حميمة، بل إلى انتقال من القطيعة الكاملة إلى تواصل مقبول — وهو تغيير كبير للأجيال القادمة.

الخلاصة: الوساطة بين الإخوة كخيار للشجاعة والمسؤولية والأمل

الوساطة بين الإخوة تتطلب شجاعة. فمن الأسهل بكثير القول: “ليتعامل المحامي مع الأمر” أو “لا أريد رؤيته مرة أخرى”. لكن من يختار الوساطة يختار تحمّل المسؤولية. يفهم أن القصة أكبر من المال — فهي تتعلق بالوالدين، بالأولاد، وبالإرث العائلي الذي سينتقل للأجيال المقبلة.

منهج الشراكة الجديدة يدعو الإخوة ليس فقط لحل نزاع، بل لإعادة بناء الطريقة التي يعملون بها كأسرة. يساعدهم على وقف دائرة الأذى، واستبدال الحرب بالحوار، وتحويل الأزمة العميقة إلى فرصة لبناء مستقبل عائلي أكثر استقراراً ووضوحاً وصحة.

حجز مكالمة تعريفية
× מענה מיידי מהבוט שלנו
Skip to content